Posted by: tarbeyawatakwin | ديسمبر 3, 2013

دراســة الحالــة التربوية .واقع المؤسسة التعليمية المغربية:


د.جميل حمداويjamil_hamdaoui

 نــص الحالـــة:

رفع أحد المفتشين إلى الوزارة الوصية تقريرا تربويا نقديا هادفا، بعد زيارات صفية كثيرة لمجموعة من المدارس التعليمية، ضمنه مجموعة من الملاحظات للحالة التي تعيشها المؤسسة التربوية في مختلف مستوياتها. وفي هذا الإطار، يقول التقرير: ” لا يمكن إصلاح المدرسة المغربية إصلاحا حقيقيا إلا بإخراج المؤسسة التعليمية من طابعها التقليدي القائم على التلقين، والجمود، والإلزام، والتأديب، والعقاب، ورتابة الإدارة، مع تعويضها بمؤسسة بيداغوجية إيجابية وفعالة، تشجع الإبداع، والابتكار ، وتراعي الفوارق الفردية، وتنمي ملكات النقد الهادف، وتؤمن بالحوار البناء، وتستفيد بشكل إيجابي من آليات التنشيط الفردي والجماعي تخطيطا وتدبيرا وتقويما.

ويعني هذا ضرورة الانتقال إلى مؤسسة تربوية حديثة، وديمقراطية، مرتكزها المواطنة الصالحة، والإنتاج العملي النافع. إذاً، نريد مؤسسة يحس فيها التلاميذ والمدرسون بحياة سعيدة، أساسها: المحبة، والمودة، والطمأنينة، والفضيلة؛ حيث يساهم فيها الكل بشكل جماعي، من أجل بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا، عن طريق خلق الأنشطة الأدبية، والفنية، والعلمية، والتقنية، والرياضية، يندمج فيها التلاميذ، والأساتذة، ورجال الإدارة، وجمعيات الآباء، ومجلس التدبير، والمجتمع المدني على حد سواء”.
المطلوب: ادرس هذه الحالة دراسة منهجية شاملة، مع التركيز على مايلي:
 ماهي القضية التي يناقشها تقرير المفتش؟
 هل توافق المفتش على ما وصف به المؤسسة التعليمية المغربية؟ ولماذا؟
 توسع في الحلول التي يقترحها المفتش لإصلاح المؤسسة التربوية، باستثمار المفاهيم والنظريات والتصورات البيداغوجية التي درستها؟
 هل ثمة حلول أخرى تقترحها لإصلاح المؤسسة التعليمية بالمغرب؟

 تحليل النص/الحالة:

 مقدمة الموضوع:

يمكن الحديث في إطار دراسة الحالة عن أنواع معينة من الحالات، مثل: الحالة النفسية، والحالة الاجتماعية، والحالة الطبية، والحالة الإدارية، والحالة التربوية…ومن ثم، يندرج نصنا هذا ضمن الحالة التربوية، ويناقش واقع المؤسسة التعليمية بالمغرب.إذاً، ما هي القضية التربوية التي يناقشها هذا التقرير التشخيصي؟ وإلى أي حد يصدق تقرير المفتش فيما ما وصف به المؤسسة التعليمية المغربية؟ وماهي الحلول المقترحة لإنقاذ المؤسسة التعليمية؟ وهل ثمة حلول أخرى ناجعة لإصلاح المؤسسة التربوية المغربية؟ تلكم هي الأسئلة التي سوف نحاول الإجابة عنها في موضوعنا هذا.

 تحليــل الموضــوع:

 القضية التربوية المحورية التي يناقشها النص:

يعالج هذا النص التربوي، ذو البعد الإصلاحي، واقع المدرسة المغربية ملاحظة ومشاركة وممارسة، برصد عيوبه، وتشخيص أزماته، من خلال قراءة ميدانية مستمرة، وزيارات صفية متكررة لمجموعة من المؤسسات التعليمية بالمغرب، سواء أكان ذلك بالمناطق الحضرية أم بالمناطق البدوية. ومن ثم، كل من يلقي نظرة بانورامية سريعة حول حال مؤسساتنا التعليمية والتربوية، فسيصاب بدوار كبير، واندهاش شديد، ولافت للانتباه؛ لأن هذه المؤسسات قد تحولت إلى ” ثكنات” وروابط عسكرية، لا تؤمن إلا بالانضباط ، والإلزام، واحترام القانون، وتمثل نظام المؤسسة، حتى أبواب هذه المؤسسات التعليمية تشبه اليوم أبواب السجون المخيفة. إذ نجد عند باب بعض هذه المؤسسات حراس الأمن، يلبسون أزياء رسمية، تشبه الأزياء العسكرية، ويحملون العصي القصيرة، كرجال المخزن، ليخيفوا بها براعم المستقبل، من أجل أن يفرضوا النظام، ولو استدعى الأمر في ذلك استعمال القوة، والعنف، وفرض العقوبات الزجرية، سواء أكانت لفظية أم بدنية.

وقد سبب هذا الواقع التربوي البذيء في ظهور النظام التربوي الأوتوقراطي الذي يستند إلى لغة القمع والقهر، وتوظيف خطاب التأديب والزجر، واستخدام العنف الرمزي، ولو ضد الأطفال الأبرياء. وقد ترتب عن هذا أن تولد في نفوس الناشئة قيما سلبية، ومشاعر الحقد والكراهية والخوف والانكماش، وعدم القدرة على المغامرة والتخييل والابتكار والإبداع؛ لعدم وجود الحرية، وغياب الديمقراطية الحقيقية، وانعدام المساواة الاجتماعية الموحدة.
ومن نتائج هذا الضغط البيروقراطي أن ظهر جيل من الأطفال والمراهقين اليافعين، الذين تمردوا عن الأسرة والمدرسة والمجتمع، وحملوا مشعل الثورة، والتغريب، وتخريب منشآت الدولة من أنابيب الماء وحنفياته، و إتلاف المصابيح الكهربائية، وتضييع كل ماتملكه المؤسسات التعليمية، وتكسير المقاعد، وتشويه الجدران، والتغيب بكثرة عن المدرسة التي تحولت إلى سجن قاتل كئيب. وفي الأخير، يترك المتعلم المدرسة مبكرا ، فينقطع عما فيها؛ بسبب شطط الإدارة، وتعسف الطاقم التربوي، ناهيك عن ضآلة فرص الشغل، وضبابية المستقبل، وقتامته الجنائزية.

 تقويم منظور التقرير فيما وصف به المؤسسة التعليمية:

يتفق الجميع على أن ما يطرحه التقرير عن حال المؤسسة التعليمية بالمغرب هو صائب إلى حد كبير.لأن مؤسستنا التربوية تعاني- فعلا- من أوضاع سلبية مشينة ، تؤثر على جودة التعليم المغربي ومنظومته التربوية، التي أصبحت تتسم بالرداءة، و الإفلاس، والهدر المدرسي، وانعدام تكافؤ الفرص، وضآلة المردودية والإنتاجية، وارتفاع نسبة الفشل بالمقارنة مع نسبة النجاح. وما تزال المؤسسة التعليمية ببلادنا تعاني من الجمود القاتم الذي يقوم على الانضباط المبالغ فيه، والالتزام، والإكراه، والتأديب، والعقاب.

وعليه، فقد وصلت المدرسة المغربية إلى آفاقها المسدودة، فصارت فضاء مسرحيا تراجيديا، يشخص المأساة، ويعكس صراع الأجيال، ويستكشف بكل جلاء التطاحن الاجتماعي والتفاوت الطبقي، ويعيد لنا إنتاج الورثة، كما يقول بيير بورديو وباسرون؛ لأن النظام التربوي:”يتطابق كل التطابق مع المجتمع الطبقي، وبما أنه من صنع طبقة متميزة تمسك بمقاليد الثقافة. أي:

بأدواتها الأساسية (المعرفة، المهارة العلمية وبخاصة إجادة التحدث) ، فإن هذا النظام يهدف إلى المحافظة على النفوذ الثقافي لتلك الطبقة. والبرهان الذي قدمه هذان المفكران يبرز التناقض بين هدف ديمقراطية التعليم الذي يطرحه النظام، وعملية الاصطفاء التي تقصي طبقة اجتماعية ثقافية من الشباب، وتعمل لصالح طبقة الوارثين.”

ويترتب عن هذا، أن المدرسة الوطنية هي مدرسة غير ديمقراطية، تخدم مصالح الطبقة الحاكمة، والأقلية المحظوظة. وما التعليم العمومي، والتعليم الخصوصي، والتعليم الفكري، والتعليم المهني، سوى تعبير عن تكريس التفاوت الاجتماعي، وتحويل المؤسسة التربوية إلى فضاء للتمييز اللغوي والعنصري، ومكان للتطاحن الاجتماعي، والتناحر الطبقي، والتمايز اللغوي.
وعلى أي حال، فواقع الديمقراطية في مدارسنا التربوية يرثى له؛ بسبب عدم وجود الديمقراطية الحقيقية، وانعدام فلسفة التنشيط التربوي، وفلسفة التسيير الذاتي واللاتوجيهية، وغياب منظومة حقوق الإنسان ممارسة وسلوكا؛ بسبب غياب الديمقراطية الحقيقية في المجتمع على جميع الأصعدة والمستويات.

 الحلول المقترحة لإنقاذ المؤسسة التعليمية:

يقترح التقرير مجموعة من الحلول للحد من أزمة المنظومة التربوية المغربية، ويمكن حصرها في الحلول التالية:

 تطبيق ديمقراطية التعليم والتعلم:

يقصد بذلك أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد من جميع التعلمات، على غرار أقرانه بشكل عادل ومتساو في إطار تكافؤ الفرص. ومن هنا، يستوجب الأمر القانوني والتشريعي على كافة المربين التعامل مع المتعلم في ضوء البيداغوجيا الفارقية وبيداغوجيا الدعم، لكي ينال حقه من التربية والتعليم كباقي المتمدرسين الآخرين، وخاصة الأغنياء منهم. ويطرح في هذا السياق موضوع الزي المدرسي الذي ينبغي أن يكون رسميا وموحدا بين جميع تلاميذ المؤسسات التربوية.أضف إلى ذلك، أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة، تؤهل التلميذ ليتعرف حقوقه وواجباته، لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه.
هذا، وتسعى الدول المتقدمة إلى جعل التعليم ديمقراطيا، من خلال تعميم البرامج، وتوحيد المناهج والمقررات، على الرغم من تنوعها في الأشكال والمضامين. علاوة على تأميم التعليم، وفرض إلزاميته، واستلزام إجباريته، لكي تحد الدولة من نسبة الفقر والأمية والتخلف. فالتعليم هو الذي يغير المجتمع في الحقيقة ، ويحقق الديمقراطية البناءة والفاعلة. كما يتمثل المتعلم قيم الديمقراطية داخل المدارس والمؤسسات التربوية، ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية.وعندما نقول أيضا بديمقراطية التعليم ، فنعني به جعل التعليم ذا خاصية شعبية، يستفيد منه الجميع، بدون استثناء أو إقصاء، فتصبح المدرسة مفتوحة للفقراء والأغنياء بطريقة عادلة ومتساوية، تتكافأ فيها الفرص.

وينبغي أن نعرف أن مبدأ توحيد المناهج الدراسية – الذي أصبح ميسما للمدرسة المغربية الحديثة- ، ويعبر عن تطلعات الأحزاب الشعبية، وصار شعارا براقا لكل القرارات السياسية والوطنية، ينبغي ألا يلغي :” مايزخر به الواقع المغربي المتعدد، وما تفرضه شروط وآليات التحول الجديدة من ضرورة الانفتاح على كل أنماط التعدد والاختلاف والتمايز الطبقي والإثني… واحتوائها وتجاوزها في الآن ذاته، وذلك بتكريس الانخراط التشاركي الشمولي في بناء دولة وفاق اجتماعي ديمقراطي وتكاملي. ويتأسس هذا الطرح على كون الرهان على البناء الديمقراطي، في مجتمعاتنا العربية والثالثية عامة، لن يبلغ أهدافه أبدا إلا عبر جسور متينة من التربية والتكوين والثقافة، وإعداد الموارد البشرية، وإلا بواسطة الدمقرطة الشاملة لأساليب وقنوات توزيع الرأسمال الرمزي، المتمثل في التكوين والمعرفة والثقافة. هذا، فضلا عن دمقرطة توزيع مختلف أشكال الاستفادة المادية، ومختلف المواقع والأدوار والمراتب الاجتماعية بين كل الفرقاء المعنيين في المجتمع”
وهكذا، تسعى كل الدول جادة وجاهدة لتطوير مؤسساتها التربوية والتعليمية بشكل من الأشكال، بخلق أجواء الديمقراطية، وتشجيع الإبداع والابتكار في مؤسساتها التربوية، عن طريق إصدار مجموعة من المذكرات والمراسيم الوزارية، وتنزيل القرارات الحكومية والقوانين المنظمة، ليتبوأ التعليم مكانة زاهية في ظل مجتمع ديمقراطي متقدم وزاهر…

 تطبيق الطرائـق التربوية الفعالة:

تعتبر الطرائق التربوية الفعالة من أهم التقنيات والآليات الإجرائية لتحقيق التقدم والنجاح والازدهار الحقيقي، ولاسيما أنها من مقومات التربية الحديثة والمعاصرة في الغرب، كما قال السيد بلوخ( Bloch)، حينما أعلن بأن نجاح المدرسة الفعالة: ” لازم من أجل بزوغ مجتمع ديمقراطي، لايمكن أن يكون كذلك إلا عن طريق منطوق مؤسساته” .
وقد ظهرت هذه الطرائق الفعالة في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، وذلك مع ماريا مونتيسوري( Maria Montessori )، وجون ديوي(Dewey )، وكلاباريد( Claparide )، وكرشنشتاير( Kerschensteiner)، وفرينيه( Freinet)، وكارل روجرز( Rogers)، ومكارنكو( Makarenko)، وأوليفييه ريبول( Reboul)، وفيريير( Ferrière)، وجان بياجيه (J.Piaget) ،…
وتعتمد هذه الطرائق الفعالة الحديثة على عدة مبادئ أساسية ألا وهي: اللعب، وتعلم الحياة عن طريق الحياة، والتعلم الذاتي،والحرية، والمنفعة العملية، وتفتح الشخصية، والاعتماد على السيكولوجيا الحديثة، والاستهداء بالفكر التعاوني والتسيير الذاتي، وتطبيق اللاتوجيهية ، ودمقرطة التربية والتعليم…

هذا ، ويؤكد أصحاب الطرائق الفعالة الحديثة، بلغة تكاد تكون واحدة، رفضهم القاطع للنزعة التسلطية والتلقينية، مع ضرورة:” تدعيم ولادة مجتمع ديمقراطي، مادامت المدرسة التقليدية لاتكون الكيان الشخصي، كما لاتحقق الدمج الاجتماعي، بل تؤدي على العكس في آن واحد إلى تمييع المجتمع، وإلى قيام النزعة الفردية الأنانية. ويضيف أولهم، ونعني كلاباريد، أن علاج مثل هذه النقيصة لايكون بأن ندخل على هامش الأمر تربية مدنية غريبة عن أي تربية من هذا الطراز التقليدي. ويشيد جميعهم بالقيادة الذاتية لسبب وحيد، هو أنهم يريدون أن يحلوا محل النظم الزجرية التي ييسر الترويض ذيوعها وانتشارها، بأخرى جديدة تشتمل على المشاركة والمسؤولية. وبالتالي، على ما ييسر انطلاق الشعور الغيري.
وأخيرا، إنهم يخشون، في حال غياب التدريب المناسب، أن تنحدر الديمقراطية، فتغدو حكم التفاهة والضعة.”

وهكذا، تستوجب عمليات التنشيط تمثل الطرائق الفعالة في التربية الحديثة، كما يتضح ذلك جليا عند منتسوري، ودوكرولي، وكلاباريد، وجون ديوي، ووليام جيمس…، وتطبيق مبادئها النظرية والعملية، كأن نأخذ – مثلا- بفلسفة الحرية، والعمل، والتعلم الذاتي، والتركيز على المتعلم، والاهتمام باللعب، وتعلم الحياة عن طريق الحياة، والاشتغال في فريق، وربط النظري بماهو تطبيقي وعملي ونافع ومفيد.

 الأخذ بالفكــر التعــاوني، والاشتغال في فريق:

يعد الفكر التعاوني من أهم الآليات لخلق الأنشطة الحقيقية؛ لأن الاشتغال في فريق تربوي داخل جماعة معينة يساعد التلميذ على التفتح الفعال، والنمو الإيجابي، واكتساب المعارف والتجارب لدى الغير. كما يبعده عن كثير من التصرفات الشائنة، ويجنبه أيضا الصفات السلبية كالانكماش، والانعزالية، والانطواء، والإحساس بالخوف والنقص والدونية، ويساعده على التخلص من الأنانية، والابتعاد عن حب الذات . ولايمكن للدول أن تحقق التقدم والازدهار إلا إذا اشتغلت في إطار فريق جماعي، كما نجد ذلك في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. فالعلماء يتربون على الفكر التعاوني، والبحث في فريق جماعي، لتحقيق الأهداف التي انطلقوا منها في مشاريعهم العملية والعلمية والثقافية.
ومن هنا، فـبيداغوجية الفكر التعاوني من أسس تحقيق التعليم الديمقراطي، وتحديث التعليم، ودمقرطة التربية والمجتمع على حد سواء؛ لأنها تزيل الفوارق الاجتماعية، وتذيب كل التمايزات اللونية واللغوية والطبقية.

ومن أهم الذين دعوا إلى الفكر التعاوني، بغية دمقرطة المدارس البروليتارية، المربي الفرنسي سلستان فرينيه ( Célestin Freinet ) الذي استعمل مجموعة من الوسائل التنشيطية لزرع الفكر التعاوني بين الناشئة التربوية . وتتمثل هذه الوسائل في استخدام المطبعة، والتراسل، وكتابة النصوص الحرة، والقيام بالتحقيقات الخارجية، والاستهداء بالعمل الجماعي، وتأسيس التعاونيات المدرسية، واستعمال الجذاذات ، والسهر على إنشاء جريدة الأطفال، والاعتماد على التسيير الجماعي، والاعتناء بالمذكرات اليومية، وتنظيم خزانة العمل، وتشغيل الآليات التقنية الحديثة، مثل:جهاز الفونو، والأسطوانات، والسينما …
وهكذا، يمكن ، عبر فلسفة التعاون، والاشتغال ضمن فريق، من تحقيق ديمقراطية التعلم، وديمقراطية التعليم، وأجرأة التربية الديمقراطية، عبر حل المشكلات التي تواجه المتعلم في عالمه الموضوعي بسهولة، من خلال إنجاز الأعمال المطلوبة منه بشكل فعال، مع علاج الكثير من الآفات النفسية الفردية الشعورية واللاشعورية، كالأنانية، والنبذ، والكراهية، والنفور، واستبدالها بمشاعر أكثر نبلا ، كالانسجام، والتوافق، والتشارك، والتعاون، والابتكار الجماعي، والإبداع الهادف.
هذا، ولإزالة القيم السلبية، والحد من المشاعر الفردية السيئة، لابد من دفع المتعلم لانصهار داخل الجماعة، بغية اكتساب سلوكيات جماعية، وتمثل الفكر الاشتراكي العملي، من خلال تدريب طاقته الجسدية والعقلية على تحقيق المردودية والإنتاجية، كما يقول المفكر التربوي أنطون مكارينكو( A. Makarenko). ويعني هذا تعويد تلاميذ الفصل على العمل الحر داخل جماعات متجانسة، وذلك من حيث السن، والمستوى الدراسي، كما يقول بذلك كوزينيه( Cousinet)، مع خلق فرص للعمل الجماعي، من أجل بناء مجتمع ديمقراطي مبدع ومزدهر.

 الاستفادة من ديناميكية الجماعة:

تعد ديناميكية الجماعة من الآليات المهمة التي يستعين بها التنشيط التربوي والديداكتيكي ، بغية خلق مواطن صالح، وبناء شخصية متوازنة سوية سيكولوجيا وأخلاقيا واجتماعيا. وبالتالي، فهي منهجية مهمة في علاج الكثير من الظواهر النفسية الشعورية واللاشعورية لدى المتعلم . كما أنها تقنية تنشيطية هامة،يمكن الاستعانة بها أثناء تنفيذ العملية التعليمية- التعلمية. وهي أيضا طريقة فعالة في التنشيط التربوي والفني، وإجراء منهجي للتحكم في التنظيم الذاتي للمؤسسة.ومن ثم، تستدمج ديناميكية الجماعة المتعلمين ضمن جماعات تربوية داخل الفصل الدراسي، من أجل معالجتهم نفسيا واجتماعيا، عن طريق تطهيرهم، وترويضهم، وتربيتهم على الفكر الديمقراطي، وتعويدهم على التعامل الشفاف الواضح، والتعامل الصادق، والمعايشة الحقيقية لمشاكل المدرسة والمجتمع والأسرة على حد سواء. ولايمكن للتلميذ أن يبدع إلا داخل جماعة ديمقراطية، تؤمن بالأخوة، والتنافس الشريف. ومن جهة أخرى، تتشبث بفكر الاختلاف والشورى والعدالة، وتعتز بقانون الحقوق والواجبات.ومن هنا، لابد أن يكون للجماعة قائد يوزع الأدوار ، ويشرف على تنظيم الجماعة ، ويسهر على تنظيمها وعملها ومآلها، ويتحمل مسؤولياتها الجسيمة. لكن لابد أن تختار جماعة المتعلمين قائدها القادر بطريقة انتخابية ديمقراطية، يتولى السلطة لفترة معينة، ليتولاها قائد ديمقراطي آخر. ونعلم جيدا بأن النسق الجماعي يخضع في عملياته التواصلية لثلاث قيادات أو سلط – حسب كورت لوين Kurt Lewin -:

أولا، القيادة الديمقراطية التي تساعد على الإبداعية والابتكار، وتحقيق المردودية والإنتاجية، سواء أكان ذلك في غياب الأستاذ المؤطر أم في غياب المشرف الإداري، أم في حضوره في الميدان . وتساهم هذه القيادة كذلك في بروز تفاعلات إيجابية بناءة، كالتعاون، والتوافق، والاندماج.
ثانيا، القيادة الأوتوقراطية التي ترتكن إلى استعمال العنف والقهر والعسف، والتشديد في أساليب التعامل ؛ فينضبط المتعلمون في حضور القائد، ولكنهم يتمردون في حالة غيابه. وفي هذه الحالة ، تقل الإنتاجية والمردودية، وتتحول المؤسسة إلى ثكنة عسكرية ، يصعب معها تطبيق مبادئ نظرية تفعيل الحياة المدرسية؛ وذلك لوجود قيم سلبية، كالتنافر، والتنابذ، والتناحر، والتوتر.
ثالثا، القيادة السائبة التي تقوم على فلسفة” دعه يعمل”

. وبالتالي، فهي قيادة فوضوية، لاتساعد على تحقيق المردودية والإنتاجية في غياب القائد أو حضوره، وتزرع في نفوس المتعلمين قيم الاتكال، والعبث، واللامسؤولية.
وبناء على هذا، نستشف بأن النهج الديمقراطي يساعد على نمو الجماعة، وتطورها بشكل إيجابي فعال. لذا، على رجال الإدارة والمدرسين الأخذ بالقيادة الديمقراطية البناءة والهادفة، لتحقيق النجاح الحقيقي، وتحصيل الجودة الحقيقية، وإضفاء النجاعة على أنشطة التسيير والتأطير.

 تفعيل السيكودراما والسوسيودراما:

تعتبر طريقة لعب الأدوار أو السيكودراما أو المسرح المدرسي من أهم التقنيات في مجال تنشيط الجماعة وتفعيلها . كما تعد من أهم الوسائل العلاجية لإدماج التلاميذ المنطوين على أنفسهم، أو المنكمشين، أو المعقدين نفسيا، داخل جماعات مدرسية أو فصلية، لتحريرهم من العقد المترسبة في لاشعورهم ، وتطهيرهم ذهنيا ووجدانيا وحركيا، وإخراجهم من العزلة، والوحدة، والاغتراب الذاتي والمكاني، وذلك بالانتقال إلى عالم مجتمعي أرحب، يعتمد على المشاركة والتعاون والأخوة والانسجام، وتفتيق المواهب الإبداعية، وممارسة الديمقراطية الفعالة.
ومن ثم، فالسيكودراما طريقة مسرحية فعالة، يعتمد فيها الفرد على ذاته في القيام بمجموعة من الأدوار المسرحية التي يبرز فيها طاقاته ومواهبه، ويعبر عن مكبوتاته المخفية، وطاقاته الدفينة، قصد الانتقال من مرحلة الانكماش إلى المرحلة النفسية السوية، بغية تحقيق التوازن السيكواجتماعي الحقيقي، من أجل بناء ذاته وأسرته ومجتمعه وأمته بطريقة ديمقراطية فعالة، قائمة على العطاء والعمل والإنتاجية والمردودية .أي: نساعد المتعلم على الظهور والتفتح والنمو النفسي، وذلك سيكودراميا وسوسيودراميا، ليكون قادرا على التعلم، وتقبل المعارف، وتلقيها بشكل علمي سليم ، حيث نخرجه من قمقم الانكماش والضياع والاستلاب ، ونحرره من بوتقة الاغتراب الذاتي والمكاني، لننقله إلى عالم سعيد، قوامه الحرية والمساواة والديمقراطية الاجتماعية، حيث يتحقق فيه تكافؤ الفرص والعيش الكريم .

وعلى العموم، فالسيكودراما هي: ” تقنية سيكولوجية وضعها العالم السيكولوجي مورينو( Morino )، تعتمد على التلقائية الدرامية، حيث يطلب من الأشخاص أداء أدوار مسرحية، دون ارتباط بكتابة سابقة أو تحديد للنص، قصد تنمية التلقائية لديهم. غير أنه مالبث أن تحولت هذه التقنية إلى أسلوب للتكوين والعلاج النفسي التحليلي الفردي والجماعي؛ وتنمية الابتكار لدى الأطفال في المجال التربوي التعليمي…
وتجد طريقة السيكودراما أصولها لدى اليونانيين القدماء، فقد أشار أريسطوفان في القرن الرابع قبل الميلاد إلى أن الشخص يظل سجين أدواره الاجتماعية، ويمكن التحرر منها، وفهم دوافعها، عند التعبير عنها على خشبة المسرح. كما أن أرسطو أشار بدوره إلى الأهمية الأساسية التي يلعبها المسرح في التخفيف من المعاناة النفسية، خلال التوحد مع الممثلين في أدوار معينة، مما يساعد على التطهير النفسي.”
ويعني كل هذا أن فعل التنشيط يساهم في تحرير الإنسان نفسيا وجسديا وذهنيا، مع تطهيره من عقده الموروثة والمكتسبة، كالخوف، والجزع، والقلق، والانكماش، والانطواء، والخجل، والانعزال المميت.

 الاستعانة بفلسفة الشراكــة:

من المعلوم أن الشراكة نوعان: شراكة داخلية، وشراكة خارجية. وما يهمنا في هذا السياق هو ما يسمى بالشراكة الداخلية التي يساهم فيها جميع الفاعلين الذين يساهمون في تدبير المؤسسة، وتسييرها، وتنشيطها، والإشراف عليها، وذلك من قبل المدرسين، والأساتذة، والمتعلمين، ورجال الإدارة، والمشرفين التربويين، وأسر التلاميذ، ومجلس التدبير… ومن ثم، لا يمكن خلق مشاريع تربوية، تخدم المؤسسة من قريب أو من بعيد، إلا بالتركيز على مواضيع الشراكة ذات الأولوية، والضرورة القصوى، كمحاربة الهدر المدرسي عن طريق الدعم التربوي، وتقديم ساعات إضافية تطوعية لخدمة التلاميذ، ومساعدتهم على مراجعة دروسهم، وإنجاز واجباتهم وفروضهم المنزلية أو الفصلية، مع تدريبهم على التطبيق المنهجي، والتحليل التركيبي والتقويمي، والأخذ بيدهم من أجل السير بهم نحو ثقافة التعلم الذاتي، والتكوين المستمر، وسد كل ثغرات التعثر والنقص لديهم، عن طريق إرشادهم، ومحاورتهم بطريقة ديمقراطية، تقوم على التوجيه الصحيح، والاعتماد على الحجاج المنطقي والبرهان العقلي، من أجل مواصلة دراستهم، والتنسيق مع أسرهم، من أجل إرجاع أولادهم إلى المدرسة، وإقناعهم بأهمية التعلم والتكوين والتدريس من أجل بناء مواطن صالح.
ومن جهة أخرى، يمكن الاستعانة بالمدرسين والمشرفين التربويين، بغية المشاركة في تنمية البحوث التربوية التي ترتكز على تحسين أداء المتعلم، والانطلاق من فلسفة الكفايات المستهدفة، و تجديد الطرائق البيداغوجية، فالوسائل الديداكتيكية، ثم أساليب المراقبة والتقويم وأنظمة الامتحانات، دون أن ننسى أهمية المشاركة في تكوين المدرسين إداريا وتربويا من قبل رجال الإشراف ورجال الإدارة ، خاصة الذين لهم خبرة في الميدان التربوي، عن طريق مناقشة المذكرات وتوضيحها، وشرح دواليب التسيير، وتبسيط آليات التدبير، عن طريق عقد اللقاءات والندوات والمجالس التعليمية .

هذا، و تستهدف الشراكة الداخلية تثبيت استعمال تكنولوجيا الإعلام والتواصل الرقمي، من خلال إنشاء خليات الإعلام، والأخذ بتقنيات الاتصال الحاسوبي، والاهتمام بالسباحة الإعلامية الإلكترونية داخل فضاءات الشبكة العالمية. ولا نغفل مدى أهمية عملية الارتقاء بعلاقات التعامل السيكولوجي والاجتماعي والإداري ، وذلك بشكل بنيوي دينامي وإنساني وظيفي داخل المؤسسة التعليمية، من خلال احترام المتعلمين، وتقدير رجال التربية والإدارة والتدبير، و الإشادة برجال الإشراف، والتعاون مع الآباء وأمهات التلاميذ وأوليائهم، واللجوء إلى سياسة المرونة والحوار الديمقراطي، واحترام حقوق الإنسان، وتطبيق مبدإ الحافزية والمساواة، واحترام الكفاءات، وتحقيق الجودة الكيفية (الإبداعية) والكمية (المردودية).
كما ينبغي أن تستند الشراكة التربوية إلى تشجيع الإبداعات الشخصية والجماعية، والارتقاء بالرياضة المدرسية، وتنشيط المؤسسة التعليمية فنيا وثقافيا وإعلاميا واجتماعيا وبيئيا ، من خلال خلق شراكات ذاتية أو داخلية. و في اعتقادي، يمكن لهذه الشراكات أن تتحقق ميدانيا وواقعيا لو طبقت الوزارة نظام سيــﮔما( SIGMA ) ، قصد إعطاء المؤسسات التعليمية صفة مصلحة تابعة للدولة، مسيرة ذاتيا، تعتمد في ذلك على إعانات الدولة ومنحها ومواردها الخاصة، وما تستجلبه من إمكانيات مادية ومالية وبشرية عبر الشراكات التي تخلقها.

 تنفيذ دليل الحياة المدرسية:

تعمل الحياة المدرسية على خلق مجتمع ديمقراطي منفتح وواع ومزدهر داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات التربوية . وتقوم أيضا على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري، والقضاء على الفوارق الطبقية، والحد من كل أسباب تأجيج الصراع، وتنامي الحقد الاجتماعي، خاصة وأن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة، تعمل على ربط المؤسسة بالمجتمع، وتوفر حياة مفعمة بالسعادة والأمل والطمأنينة والسعادة ، وتحقق الأمان والحرية الحقيقية للجميع. كما تسعى الحياة المدرسية إلى تكريس ثقافة المواطنة الصالحة ، وذلك في إطار احترام حقوق المتعلم/ الإنسان داخل فضاء المؤسسة، وتطبيق المساواة الحقيقية، وإرساء قانون العدالة المؤسساتية، وفتح باب مبدإ تكافؤ الفرص على مصراعيه أمام الجميع، دون تمييز عرقي أو لغوي أو طبقي أو اجتماعي. فالكل سواسية أمام قانون المؤسسة كأسنان المشط الواحد. ومن ثم، فلا قيمة للرأسمال المالي أو المادي في هذا الفضاء المؤسساتي أمام قوة الرأسمال الثقافي، الذي يعد معيار التفوق والنجاح والحصول على المستقبل الزاهر .

و يقصد بالحياة المدرسية( la vie scolaire ) ، وذلك في أدبيات التشريع المغربي التربوي، تلك الفترة الزمنية التي يقضيها التلميذ داخل فضاء المدرسة، وهي جزء من الحياة العامة للتلميذ/ الإنسان. وترتبط هذه الحياة بإيقاع تعلمي وتربوي وتنشيطي متموج ، وذلك حسب ظروف المدرسة وتموجاتها العلائقية والمؤسساتية. وتعكس هذه الحياة المدرسية مايقع في الخارج الاجتماعي من تبادل للمعارف والقيم، وما يتحقق من تواصل سيكواجتماعي وإنساني. وتعتبر:”الحياة المدرسية جزءا من الحياة العامة المتميزة بالسرعة والتدفق، التي تستدعي التجاوب والتفاعل مع المتغيرات الاقتصادية، والقيم الاجتماعية، والتطورات المعرفية والتكنولوجية التي يعرفها المجتمع، حيث تصبح المدرسة مجالا خاصا بالتنمية البشرية. والحياة المدرسية ، بهذا المعنى، تعد الفرد للتكيف مع التحولات العامة والتعامل بإيجابية، وتعلمه أساليب الحياة الاجتماعية، وتعمق الوظيفة الاجتماعية للتربية، مما يعكس الأهمية القصوى لإعداد النشء، أطفالا وشبابا، لممارسة حياة قائمة على اكتساب مجموعة من القيم داخل فضاءات عامة مشتركة”.
ويتبين لنا بأن التنشيط الفعال والحقيقي لايمكن تجسيده تربويا وديداكتيكيا وواقعيا، إلا إذا تحقق في مدرسة تستهدي بالحياة المدرسية، وتأخذ بمقوماتها الإيجابية.

 تطبيق البيداغوجيا الفارقية:

تعد البيداغوجيا الفارقية من أهم الآليات العملية التي ينبني عليها التنشيط التربوي، والتي تعمل فعلا على الحد من ظاهرة الصراع المتعدد داخل الفضاء التربوي، بغية محو الفوارق المعرفية، والقضاء على الفشل الدراسي، والحفاظ على مستوى الذكاء الدراسي الموحد، قصد تحقيق النتائج المرجوة من بيداغوجيا الكفايات وبيداغوجيا المجزوءات.
وتنطلق البيداغوجيا الفارقية من القناعة القائلة بأن:” أطفال الفصل الواحد يختلفون في صفاتهم الثقافية والاجتماعية والمعرفية والوجدانية، بكيفية تجعلهم غير متكافئي الفرص أمام الدرس الموحد الذي يقدمه لهم المعلم. ويؤول تجاهل المدرس لهذا المبدإ إلى تفاوت الأطفال في تحصيلهم المدرسي. وتأتي البيداغوجيا الفارقية لتحاول التخفيف من هذا التفاوت . ويعرف لوي لوگران البيداغوجيا الفارقية كالآتي:” هي تمش تربوي، يستعمل مجموعة من الوسائل التعليمية- التعلمية، قصد إعانة الأطفال المختلفين في العمر والقدرات والسلوكيات، والمنتمين إلى فصل واحد، من الوصول بطرائق مختلفة إلى الأهداف نفسها “.
لبلوغ هذا الهدف لابد أن يتعرف المعلم على الخاصيات الفردية لتلامذة فصله: مستوى تطورهم الذهني والوجداني والاجتماعي،قيمهم ومواقفهم إزاء التعليم المدرسي.وتنصح البيداغوجيا الفارقية المربين بتقسيم تلامذة الفصل الواحد إلى فرق صغيرة متجانسة، وبمطالبة كل فريق بعمل يتلاءم مع صفاته المميزة، وذلك في إطار عقد تعليمي يربط المعلم بتلاميذه.”

ومن الحلول المقترحة لتوحيد مستوى التعليم، ومحاربة الفوارق المعرفية بين التلاميذ، ننصح باتباع سياسة الدعم البيداغوجي والتفريدي، عن طريق تقديم دروس إضافية مجانية للمتعثرين من أبناء الطبقة الفقيرة، وحتى من الطبقة العالية، لتعميم المعرفة، وخلق فرص متساوية أمام جميع الأطراف، لاكتساب الذكاء ومهارات التحليل والمعالجة، قصد تكوين تلاميذ مقتدرين أكفاء يستطيعون مواجهة الوضعيات الصعبة والمعقدة. ومن ثم، يشكل الفصل الدراسي:”مجموعة غير متجانسة من الأطفال، في استعداداتهم وقدراتهم، مما يدعو في عملية الدعم، التي تقلل من المتخلفين دراسيا عن أقرانهم. كما يمكن النظر إلى ضرورة الدعم وأهميته من ناحية ثانية، وهي اختلاف طريقة أو أسلوب تعلم كل تلميذ. ومعظم المدرسين لايأخذون هذا الأمر بعين الاعتبار، فيدرسون بطريقة واحدة. وفي هذه الحالة، فإن عملية الدعم لاتكسب معناها الحقيقي والمفيد إلا إذا تم تعليمها بطريقة مختلفة عن الطريقة التي علمت بها المادة أول الأمر.

إن التعريف الذي تم تبنيه لبيداغوجية الدعم والتقوية، من قبل وزارة التربية والتعليم أنها:” مجموعة من الوسائل والتقنيات التربوية التي يمكن إتباعها داخل الفصل ( من إطار الوحدات الدراسية)، أو خارجية ( في إطار أنشطة المدرسة ككل)، لتلافي بعض ما قد يعترض تعلم التلاميذ من صعوبات ( عدم الفهم- تعثر- تأخر…)، تحول دون إبراز القدرات الحقيقية، والتعبير عن الإمكانيات الفعلية الكامنة.”
وهكذا ، نستشف بأن البيداغوجيا الفارقية من أهم الوسائل الإجرائية في مجال التنشيط التربوي، من أجل تحقيق الديمقراطية الاجتماعية الحقيقية.

 تمثل فلسفة الكفايات والمجزوءات:

من أهم الآليات لإصلاح المنظومة التربوية المغربية هو تكوين الكفاءات الوطنية في ظل نظام تربوي سليم، يؤمن بالجودة الكمية والكيفية ، ويستهدي بمنطق الاختلاف والتعددية، كما يقدر أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية، ويثني على ذوي القدرات المتميزة، ويشيد بالمهارات المتخصصة، ويقدر أصحاب المواهب العلمية والفنية والأدبية والتقنية.
وعند تحديد مدخلات العملية الديداكتيكية، وتسطير خطواتها تخطيطا وتدبيرا وتقويما، علينا أن نستوعب الغايات الكبرى لفلسفة التربية،ونحدد المرامي المرجوة والمواصفات المطلوبة من منظومتنا التربوية. وهنا، ننطلق من فلسفة الكفايات التي تحث عليها المذكرات الوزارية، باعتبار الكفايات بديلا تربويا أساسيا لتأهيل النشء، وإعداد المتعلمين لمجتمع الشغل؛ إذ يتطلب المجتمع التكنولوجي المعاصر من جهة، وسياسة العولمة من جهة ثانية، والتسابق الإعلامي من جهة ثالثة، أن تكون المدرسة ديمقراطية في نسقها الإداري والتعليمي، ومؤسسة وظيفية، وذلك بتكوين أطر قادرة على تشغيل دواليب المجتمع، والتحكم في آلياته الإنتاجية والخدماتية. ولن يتم هذا إلا بمدرسة إبداعية تعتمد على الابتكار، وخلق القدرات المندمجة لدى التلميذ، وتغرس فيه قيم الابتكار، والإبداع، والانفتاح، والحوار، والتعلم الذاتي، والاشتغال في فرق تربوية، والإيمان بالعمل الجماعي المثمر.
وإذا كانت الكفايات منطلقا فلسفيا براجماتيا للعملية الديداكتيكية، فإن المحتويات والمجزوءات ينبغي كذلك أن تساير هذا التحول ، وتكون عبارة عن تعلمات في شكل وضعيات، ومشاكل، وعوائق، سيواجهها المتعلم في الواقع. أي: لابد من إدخال المجتمع إلى قلب المدرسة، وتحضير المتعلم لأسئلة الواقع المفاجئة. ويعني هذا أن تكون المحتويات عبارة عن مشاكل ووضعيات صعبة، تتطلب الحلول المستعجلة بأداء فعال، وتعكس المشاكل والأزمات نفسها التي سيتلقاها المتعلم في المجتمع، عندما سيحتك به. ولابد أن تتجدد الطرائق البيداغوجية، وتستحدث الوسائل الديداكتيكية، لمسايرة التطور البيداغوجي، فتنساق مع متطلبات سوق الشغل، ثم تتأقلم مع التطور العلمي والتكنولوجي. ولابد أيضا من الاستفادة من كل الوسائل الإعلامية المتاحة راهنا في الساحة الثقافية والعلمية والتواصلية، وتتبع كل الوسائل التجريبية الجديدة، قصد تحقيق الحداثة، والمساهمة في إثراء المنظومة التربوية المغربية.

 الانطلاق من البيداغوجيا المؤسساتية:

يرفض جميع المربين، وبدون استثناء، تحويل المؤسسة التربوية إلى مؤسسة الثكنة أو فضاء بيروقراطي يكرس التمييز العنصري ، ويؤجج الصراع الطبقي، أو يتم إصلاحها خارجيا ، بل ينبغي أن يكون الإصلاح داخليا، من خلال الاعتماد على مبادئ البيداغوجيا المؤسساتية (INSTITUTIONNELLE PIDAGOGIE ) التي نظر لها كل من أوري ( OURY ) ، ولوبرو( LOBROT)، ولاپاساد( LAPASSADE ).
هذا، وقد ظهرت المدرسة المؤسساتية، باعتبارها اتجاها تربويا حديثا ، في فرنسا ، وتعتبر أن الإصلاح:” يجب أن يمر عبر المؤسسة، بالإضافة إلى البنيات الاقتصادية والاجتماعية ، ومن ثمة يجب الاهتمام بمفهوم الإدارة الذاتية والتسيير الذاتي من أجل تحقيق الاستقلال الذاتي للمتربين في إطار مؤسسي مفتوح”.
إذاً، ترفض هذه البيداغوجية الجديدة المدرسة الثكنة التي تخنق التلميذ بنظامها الانضباطي البيروقراطي الذي يحد من حرية التلميذ، فتتحول المدرسة إلى صندوق أسود، أو إلى ثكنة عسكرية لاتؤمن إلا بالنظام والانضباط ، وذلك على حساب حرية التلميذ، ولعبه، وأنشطته الثقافية والفنية والرياضية والعلمية.

لهذا، تقترح البيداغوجيا المؤسساتية مدرسة مرنة ومنفتحة، تنبع قوانينها من التفاعل الداخلي لأفرادها، قصد الانتقال بالمدرسة من مؤسسة التلقين والتوجيه والانضباط الوحشي نحو مؤسسة إبداعية فاعلة وفعالة مبدعة ومبتكرة، تسعى إلى تحقيق التقدم والازدهار.
ولا ننسى كذلك أهمية الشراكة التربوية وخلق مشاريع المؤسسة لتنمية المؤسسة التربوية، وإزالة تناقضاتها الاقتصادية والاجتماعية الصارخة ؛لأن المدرسة جزء من المجتمع، ومرآة صادقة، تعكس سلبياته، وتفاوتاته الطبقية الصارخة، التي يجسدها المتعلمون داخل الساحة المدرسية أو داخل الصف الدراسي.
ومن الحلول المقترحة لتفادي الظاهرة الصراعية داخل الفضاء التربوي المطالبة الفورية بتنفيذ قانون سيگما SIGMA الذي يدعو إليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لمد المؤسسة التعليمية بميزانيتها السنوية، وكل ذلك من أجل تدبير شؤونها الداخلية، وإنجاح برامجها التنشيطية .

 تشغيل البيداغوجيا اللاتوجيهية:

تنبني اللاتوجيهية على التعلم الذاتي، والتسيير الشخصي، واعتماد المتعلم على نفسه في إنجاز واجباته، وأداء أعماله. وهنا، يتحول المدرس إلى مشرف مرشد، ولا يتدخل إلا إذا طلب منه المتعلم ذلك. وتعتمد اللاتوجيهية على الحرية، والعفوية، والتلقائية، وبناء المعرفة عن طريق التدريج المنطقي والشخصي، والابتعاد عن طرائق التدريس التلقينية القائمة على الإكراه والتلقين والحفظ ، أو تدخل المدرس تعسفا وحيفا في أعمال التلميذ ، وتوجيه رغباته كما يشاء.
هذا، وتغرس هذه الطريقة اللاتوجيهية الحديثة الثقة في المتعلم، وتعوده على المثابرة الشخصية، والتعلم الذاتي، وحب المغامرة، والاستعانة بكفاءاته وقدراته الذاتية لحل المشاكل والوضعيات، وتطويع الصعوبات التي تواجهه في المدرسة والحياة على حد سواء.
ومن أهم المنظرين للبيداغوجيا اللاتوجيهية نستحضر: جان جاك روسو( Rousseau)، وأوليفييه ريبول( Olivier Reboul)، وكارل روجرز( C.Rogers).

 توظيف الدرامـــــا التعليميــــة:

نعني بالدراما التعليمية مسرحة المناهج والبرامج والمقررات الدراسية، لخدمة الطفل المتعلم، وتحقيق الوظائف التربوية والتعليمية من وراء تقديم الخبرات التعليمية داخل الفصل الدراسي. ومن هنا، تنبني الدراما التعليمية على شرح الدروس وتفسيرها في ضوء آليات تنشيطية درامية، كاستخدام الألعاب، وتبادل الأدوار، وتقليد الشخصيات. ويتطلب تدريس الحساب، مثلا، استخدام مجموعة من الألعاب التمثيلية. بينما تستلزم قراءة النصوص المسرحية أو القصصية أو الشعرية من المتعلم تقليد الأصوات الغيرية نطقا وحركة وتعبيرا وتشخيصا. كما تحتاج مواد التربية الإسلامية إلى التمثيل الدرامي، لتشخيص مجموعة من المواقف والقيم الأخلاقية، قصد تعلمها واكتسابها وتمثلها.
هذا، ويتحول المدرس في الفصل الدراسي إلى مخرج مسرحي، من خلال توظيفه لخطاب تواصلي درامي، سواء أكان لفظيا أم غير لفظي، عن طريق تشغيل اللغة المعبرة، واستخدام الحركات الهادفة. بينما التلاميذ يشكلون الممثلين والمشاهدين الراصدين على حد سواء. أما القسم ومصطبته فهما بمثابة الخشبة الركحية . في حين، تشبه المقاعد والطاولات والكراسي والصور المعلقة على الجدران ما يسمى بالتأثيث السينوغرافي.

هذا، ويمكن:” استخدام هذا النوع من المسرح التعليمي على أوسع نطاق لتقديم مختلف المواد والمناهج الدراسية، بشكل يربط الطفل بمدرسته…لما فيه من تشويق، وللدور الإيجابي الذي يعطيه للطفل في العملية التعليمية، بحيث يكون – هنا- التمثيل مستخدما كطريقة للتعليم. أي: إنه طريقة لتعليم الموضوعات. في حين، تكون الدراما الإبداعية والتمثيل التلقائي، فهو الوسيلة التي يمكن عن طريقها أن يصبح الأطفال قادرين على استخدام التمثيل لا كوسيلة للتعليم، بل كإجادة التمثيل، حتى يستطيع الأطفال فهم التاريخ والجغرافية، أو الاقتراب من الموضوعات العلمية، أو تذوق القصص الدينية والأدبية. وبهذا الفهم، نقترب من نوع آخر في المسرح المدرسي، هو مسرح المنهاج، والذي يعتمد فيه على الأطفال بعد إجادتهم للتمثيل بواسطة الدراما الإبداعية والنشاط التمثيلي للطفل أو التمثيل التلقائي؛ لأنه بدون هذه المرحلة لايمكننا الإقدام على تقديم مسرحيات المنهاج.”

ومن المعروف أن للدراما التعليمية وظائف كثيرة، حيث تساعد على توضيح الدروس وشرحها، وتذليل الصعوبات، والجمع بين التسلية والتعليم، وإفادة العقل وإمتاع الوجدان، وتحريك الطفل المتعلم ذهنيا ووجدانيا وحركيا لبناء دروسه، اعتمادا على ذاته ، وذلك عن طريق المحاكاة، والتقليد، وتبادل الأدوار الدرامية. كما تساهم الدراما التعليمية في إبعاد الروتين، والتكرار، وتفادي رتابة الدروس التي تجعل المتعلم منفعلا وسلبيا، غير فاعل، ولامساهم. كما تجنب المدرس فداحة الطرائق البيداغوجية التقليدية القائمة على التلقين والتوجيه.

وتتم المسرحية التعليمية :” من خلال استخدام المسرح أداة تعليمية مباشرة، كالمسرحية الإرشادية التي استخدمتها الكنيسة لتفسير العقائد، وشرحها للجمهور، وهذا ماشهدته العصور الوسطى، حين وضعت العنصر التعليمي في خدمة الوعظ الإرشادي الديني. ولذلك، تعتبر مسرحيات الأسرار والخوارق المسرحية الأخلاقية مسرحيات إرشادية تعليمية، لتفسير عقائد الكنيسة، وشرحها للجماهير.ولقد كان الهدف من وراء ذلك هو تثبيت عقيدة الشعب الأمي وتقويتها…والمسرحية التعليمية هي تلك التمثيلية التي يكون الهدف الأساسي منها هو إدخال فكرة معينة في أذهان الجماهير، والعادة أن تكون فكرة دينية أو سياسية أو اجتماعية”

وعليه، فلابد للمدرس أن يحول دروسه إلى مشاهد ولوحات وحبكات درامية داخل الفصل الدراسي أو خارجه، ويختار لها المكان والزمان المناسبين، وينتقي التلاميذ الذين لهم الرغبة في التمثيل والتقليد من أجل أداء المسرحيات ارتجالا ، بعد أن يختار لهم النصوص التي تكون قريبة إلى نفوس الأطفال وميولهم وأهوائهم واتجاهاتهم النفسية، فتحقق لهم التسلية والمتعة والترفيه، كما تنمي مداركهم المعرفية والتعليمية.
ولابد من تمثل البساطة في أداء الأدوار المسرحية ، والابتعاد عن الغموض والتجريد، واستبدالهما بكل ماهو تقريري مباشر قريب من عالم الأطفال، ويكون حسب مستواهم العمري، وحاجياتهم النفسية والاجتماعية.وعلى المدرس الكفء وضع:” مجموعة من الأسس لبناء الوحدات الدراسية، ومسرحتها، مع تقديم الخطوات اللازمة لتدريس الوحدات الدراسية الممسرحة.

أي: تقديم طريقة ملائمة لتدريس الخبرات الدرامية داخل الفصل، وتجريب إمكانية استخدام الخبرة الدرامية كأسلوب للتدريس، لإمكانية تعرف مدى تأثيرها في التحصيل المعرفي، وفي الاتجاهات العلمية والتفكير العلمي للتلاميذ، وذلك من خلال مجموعة المقاييس المعدة لهذا الغرض. والأطفال يدخلون المسرح، ولكن ليس كمتفرجين أو مشاهدين لعرض من عروض الأطفال، وإنما كمشاركين في العمل المسرحي. من خلال هذه المشاركة يتلقون دروسهم، ويستكشفون طبيعة المنهج الدراسي المقرر عليهم، وينتقلون من مرحلة استظهار الدروس إلى مرحلة معايشتها. ويكون مسرحهم هو قاعة الدرس، ومدرسهم معهم. ولن نسميه مخرج العرض، ولكن سنسميه مدرس الدراما. ومن خلال هذه الطريقة يستكشف التلاميذ مشكلات العلاقات الإنسانية عن طريق تمثيل المشكلات في مواقف، ثم مناقشة الموقف الدرامي، من خلال استخدام الخبرة الدرامية كأسلوب للتدريس، وذلك فيما يتعلق باكتشاف المعرفة، وتحقيق نمو التفكير العلمي”.
فما أحوجنا اليوم – نحن المدرسين- إلى تطبيق الدراما التعليمية، لمسرحة مناهجنا التربوية، لنقترب أيما اقتراب من عالم التلاميذ المبني على حب المسرح، والتعطش إلى التثقيف والتسلية والترفيه الوظيفي والهادف والبناء!

 تمثل آليات التنشيط المدرسي:

يستند التنشيط المدرسي إلى مجموعة من التقنيات الفعالة، إلى جانب المسرح التعليمي، والقيام بالأنشطة الموازية، ونذكر من هذه التقنيات:
الإذاعة المدرسية: تقوم على توصيل مجموعة من الأخبار والتوجيهات والتنبيهات والدروس والتعليمات، وذلك إلى مختلف الفاعلين التربويين عبر إذاعة المؤسسة. ويتم ذلك – مثلا- في أسبوع واحد من كل دورة أو فصل دراسي، يشارك في ذلك المدرسون، والمتعلمون، وأولياء الأمور، ورجال الإدارة، والمشرفون. ومن ثم، تهتم الإذاعة المدرسية بنشر الأخبار المختلفة، والتعليق على الأنباء تحليلا ونقدا وتقويما، وإذاعة التنبيهات المدرسية، وتقديم النصائح والتوجيهات السلوكية، وتقديم الأناشيد والقصص والمسرحيات والإبداعات، وترديد الأغاني التربوية الهادفة، وسرد الفكاهات والطرائف، وقراءة بريد الطلبة.
وهكذا، ” تعد الإذاعة بالنسبة إلى المستمعين مصدرا من أهم مصادر الثقافة المتجددة، فهي تزودهم بألوان طريفة من المعارف والخبرات، وتأخذهم بحسن الاستماع، ودقة الفهم، والقدرة على النقد والحكم. والإذاعة المدرسية أداة ناجحة في خلق الوعي المستنير، وتكوين رأي عام موحد في المدرسة، وربط أفراد المجتمع المدرسي، ودعم الوحدة الفكرية بينهم، وربطهم –كذلك- بالمجتمع الخارجي الذي يتمثل في أهل الحي، بما تذيعه المدرسة عليهم من ألوان مختلفة، في مختلف المناسبات.”
 الصحافة المدرسية: ويقصد بها الصحافة الورقية والرقمية.بمعنى أن الصحافة المدرسية قد تكون جريدة أو مجلة، تتعلق بصف دراسي واحد، أو تتعلق بمؤسسة تعليمية معينة. وقد تكون هذه الصحافة رقمية تعتمد على النشرات الرقمية، وإنجاز موقع رقمي للمؤسسة أو الفصل الدراسي. والهدف من كل ذلك هو الرفع من مستوى التلاميذ، والرقي بثقافتهم، وتهذيب سلوكهم القيمي…ومن هنا، تتنوع الصحف المدرسية إلى صحيفة الفصل، وصحيفة الحائط، وصحيفة المدرسة، والموقع الرقمي، والصحيفة الإلكترونية، وصحف المناسبات التي تصدر في المناسبات المختلفة، كالأعياد الدينية والوطنية والقومية والمناسبات الدولية، أو أثناء القيام بالرحلات، وغير ذلك من الأنشطة الهامة والمفيدة.

 القراءة الحرة: يتعزز التنشيط التربوي عن طريق تشجيع القراءة الحرة، وزيارة المكتبات الخاصة والعامة، واقتناء المطبوعات، والكتب، وتكوين المكتبات الشخصية، وتأثيث المكتبة المدرسية بالكتب المختلفة والمتنوعة في تخصصات شتى، والمداومة على قراءة الكتب بشكل يومي، بتلخيص مضامينها، وتحليلها، و تركيب استنتاجاتها، وتقويم أفكارها، والتعليق عليها، مع نشرها في المطبوعات الورقية أو المواقع الرقمية.و” لكي نستحث الطلبة على القراءة الحرة، ونشجع عليها من يعوزهم الميل إليها، نعمل دائما على دعم الصلة بين هذه القراءة والمناشط الأخرى، كالإذاعة والصحافة، فنجعل في برامج الإذاعة فرصا لعرض الطريف الجديد مما اطلع عليه الطلاب، ونجعل من صفحات المجلة- متسعا لأمثال هذه العناوين: أحسن ما قرأت- من أعجب ماقيل- هل علمت- هل قرأت…؟- هل تعرف؟..وهكذا،… ”
 المسابقات الثقافية: تعد المسابقات الثقافية من أهم آليات التنشيط الثقافي، ومن أجدى التقنيات البيداغوجية الناجعة في استنارة المتعلمين، وتنشيط المؤسسة التربوية. وقد تكون هذه المسابقات الثقافية بينية داخل الفصل الواحد، أو بين فصول المؤسسة، أو بين مؤسسات المدينة، أو يتم ذلك على الصعيد المحلي أو الجهوي أو الوطني أو الإقليمي أو الدولي…

وهناك تقنيات عديدة يمكن الاستعانة بها في مجال التنشيط التربوي التثقيفي، مثل: العرض، والنقاش الجماعي العام، وتمثيل الأدوار، والاستعراض، والمحاضرات، والندوات، والاستجواب الحواري، والمناقشة، واعتماد مجموعة التشخيص GROUPE T- لمعرفة مضامين التعلم ومحتوياته، وكيفية التعلم من خلال إشراك عدد محدود من التلاميذ ، وتطبيق طريقة جماعة البوز التي تنبني على تنشيط نقاش من 13 إلى 15 دقيقة، لتفادي الملل ورتابة العرض، لكي يشارك الجميع في إبداء آرائهم حول الموضوع المقترح، وتقنية فليبس 6/6 التي وضعها الأمريكي دونالد فليبس سنة1948م، وقد طورها كل من الباحثين البيداغوجيين : ديديي وأنزيو في فرنسا. وتعتمد هذه التقنية على تشكيل مجموعات صغرى من6 أفراد من أجل إعطاء مجموعة من الأفكار الموحدة حول موضوع أو دراسة أو حالة أو فكرة ما، وذلك في ست دقائق.
وهناك تقنيات أخرى في مجال تنشيط الجماعة، كدراسة الحالة من خلال اقتراح مجموعة من الحلول الممكنة لمعالجة قضية واقعية أو خيالية، وقد تكون الحالة نفسية أو تربوية وإدارية أو اجتماعية…. و هناك تقنية لغة الصور، حيث يختار المتعلمون بصمت مجموعة من الصور، ثم يحاولون تبيان الأسباب التي دفعتهم إلى اختيارها. وهناك تقنية تقديم الشهادات، حيث يدلي كل تلميذ بشهادة معينة حول موضوع النشاط، معتمدا على تجربته الشخصية، محترما تسلسل الأحداث، وتتبعها منطقيا وزمنيا. وثمة تقنية الاكتشاف الدوراني التي ينتقل فيها الأفراد من جماعة إلى أخرى، لتبادل الآراء والأفكار .

فضلا عن تقنية الجدل والحجاج والمناظرة، وتقنية العصف الذهني( BRAINSTORMING ) التي تقوم على إشراك جميع الأفراد في المناقشة المعروضة، قصد إيجاد الأفكار والحلول الجماعية المناسبة لموقف أو لمجموعة من المواقف والوضعيات. وهناك تقنية لعب الأدوار التي تستلزم وجود حكاية أو قصة أو مسرحية ، فيقوم التلاميذ بإعدادها، وارتجالها، وتشخيصها، وتمثيلها، وإخراجها.وبعد التمثيل، يقوم المتعلمون بفتح باب النقاش حول الأداء والتشخيص والفكرة والإخراج وجدية المواقف. وهناك كذلك تقنية التواصل مع الجمهور، وتقنية المقابلة، وتقنية تكوين السيرة الذاتية أو ما يسمى بـ(CV)، وتنشيط الورشة، ونشاط حل المشكلات…
وهكذا، تعتبر تقنية التنشيط الجماعي من التقنيات التي تساهم في خلق المنافسة المشروعة بين جماعات الفصل أو جماعات المؤسسة ، وذلك في إطار المسابقات والتصفيات الثقافية والعلمية والرياضية، لتطوير القدرات الذاتية للتلاميذ، واكتشاف المواهب المهمشة، وتحصيل الكفاءات الحقيقية، وتجويد التعليم كما وكيفا، والرفع من مستوى التكوين والتأطير.

 النادي أو المنتدى التربوي: من المعروف أن المنتدى أو النادي التربوي بمثابة فضاء تعليمي- تعلمي، يهدف إلى تنشيط المؤسسات التربوية، أو هو أيضا بمثابة مكان لممارسة الأنشطة التربوية الموازية لتنمية المتعلمين والمعلمين، وذلك على المستويات المعرفية والوجدانية والحسية الحركية.
وبهذا، يكون المنتدى التربوي فضاء لتبادل المعارف والتجارب والخبرات والمهارات والممارسات ، وتفعيل عملية التواصل الذهني والوجداني والحركي. ويعد أيضا ناديا حقيقيا للتنشيط ، والإبداع، والابتكار، والتخييل ، وتطبيق التعلم الذاتي، وإظهار المواهب والقدرات الكفائية، وتعميق الخبرات والتعلمات ، وإرساء فلسفة الحضور في المكان والزمان، ضمن الشعار السيميائي التالي:” أنا، الآن، هنا”. كما يهدف المنتدى التربوي إلى ربط المؤسسات التربوية والتعليمية بمحيطها السيوسيواقتصادي والثقافي، عبر القيام بأنشطة متنوعة ومختلفة لصالح المدينة والجهة والوطن والأمة ، بغية تحقيق تنمية بشرية حضارية حقيقية. ويعني هذا أن المنتدى التربوي أداة بيداغوجية إستراتيجية في تنمية المعارف والميول والاتجاهات والقيم لدى المتعلمين والمعلمين على حد سواء. كما يعد وسيلة ناجعة لخلق العمل التعاوني والتشاركي البناء ، قصد خدمة التنمية المحلية على سبيل الخصوص، في شتى المجالات والميادين التي تهم الإنسان بصفة عامة، والمتعلم بصفة خاصة. وينبغي أن يتحول المنتدى التربوي من فضاء إداري بيروقراطي عتيق، يتعامل مع العالم الورقي ، بالانتقال إلى فضاء يستثمر العوالم الرقمية لتحديث المنظومة التعليمية ، وعصرنتها بالأدوات الممكنة، لتواكب المستجدات العالمية في مجال التكنولوجيا، ونشر المعرفة والمعلومة.

ومن هنا، يرتكز المنتدى التربوي على مجموعة من المقومات الضرورية، كتوفير الحرية، وتشجيع التعلم الذاتي، والمساعدة على الابتكار والاختراع والاكتشاف، والاستغلال الأمثل للزمان والمكان، وتحفيز المتعلمين والمدرسين عامة على إظهار المواهب الذاتية، والاهتمام بالتنشيط التربوي اهتماما كبيرا، لخدمة المنظومة التربوية ديداكتيكيا وبيداغوجيا. علاوة على بناء شخصية المتعلم شعوريا ولاشعوريا ، بالاعتماد على مبدإ التوازن، والأخذ بمبدإ التكيف والتأقلم مع الوضعيات الصعبة والمعقدة، والعمل على بناء الشخصية في كل مكوناتها البيولوجية والنفسية والعضوية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وحل جميع المشاكل التي تواجهها شخصية المتعلم أو المدرس، من خلال إرساء فلسفة الاحترام، والحوار، والاختلاف ، والتعايش، والتعاون، ومحبة الآخر، والشجاعة في اتخاذ القرارات.

 الجماعات الأدبية: يتم تنشيط الفصل الدراسي أو المؤسسة التعليمية بتكوين جماعات أدبية أو فنية ، وذلك تحت إشراف مدرس نشيط، تتشكل في فرق ثقافية وأدبية وفنية ، وربما علمية وتقنية، تعمل على إنجاز مجموعة من الأنشطة الثقافية، ومناقشة مجموعة من المحاور الفكرية والثقافية، ونقد الأخبار الشائعة في الوسط الأدبي والثقافي. أما عن تأليف هذه الجماعة، فيختار” أفرادها من الطلاب الموهوبين، ذوي الميول الأدبية، والاستعداد للتعبير والإلقاء، وللمشرف على هذه الجماعة أن يستطلع رأي زملائه فيمن يختارون لهذه الجماعة، ويوكل إلى أحد أفرادها القيام بأعمال التسجيل(سكرتير) ، ويحتفظ لديه بسجل تدون فيه الاجتماعات، كما يحتفظ بصور من الكلمات والمحاضرات والمناظرات. ”
تلكم-إذاً- نظرة مقتضبة حول آليات التنشيط التربوي والديداكتيكي. وبالفعل، ثمة تقنيات تنشيطية أخرى، ولاسيما التقنيات الرقمية المعاصرة من جهة، والتقنيات السينمائية من جهة أخرى.

 تفعيل المجالس التربوية :

تتوفر المؤسسة على عدة مجالس يمكن أن تساهم في إثراء المؤسسة، وتفعيلها على جميع المستويات والأصعدة، مع لم المتعلمين في بوتقة اجتماعية واحدة، كالمجالس التعليمية والفرق التربوية التي تحتل مكانة بارزة في تنظيم الحياة المدرسية، وتنشيطها، ودمقرطتها. وتتمثل في إبداء الملاحظات والاقتراحات حول البرامج والمناهج، وبرمجة مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية، وتحيين الإمكانيات والتدابير اللازمة لتنفيذها، وغير ذلك من الأعمال التنظيمية والتربوية ، وإن “اعتماد الفرق التربوية بمختلف الأسلاك، كآليات تنظيمية وتربوية، لمن شأنه أن يقوي فرص نجاح التغييرات المرغوب فيها، ولضمان فعالياتها، وانتظام أنشطتها، تحدد بشكل دوري مهام هذه الفرق، وطبيعة أعمالها، ووظيفتها الاستشارية في تنشيط الحياة المدرسية….” .
ولكن أهم مجلس يقوم بدور كبير وفعال من أجل خلق فضاء مدرسي متجانس ومتعايش نذكر: مجلس التدبير. إذاً، ما أدوار هذا المجلس واختصاصاته؟

أشار الميثاق الوطني للتربية والتكوين ، وذلك في المجال الخامس المخصص للتسيير والتدبير، وبالأخص في الدعامة الخامسة المعنونة بإقرار اللامركزية واللاتمركز في قطاع التربية والتكوين، وبالضبط في المادة رقم( 149 )، إلى أهمية مجلس التدبير في المؤسسة التعليمية، وأهمية أدواره الإدارية والمادية والمالية والتنشيطية.
تقول المادة القانونية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين:” يحدث على صعيد كل مؤسسة للتربية والتكوين مجلس للتدبير، يمثل فيه المدرسون وآباء أو أولياء التلاميذ وشركاء المدرسة في مجالات الدعم المادي أو التقني أو الثقافي كافة.
ومن مهام هذا المجلس:
– المساعدة وإبداء الرأي في برمجة أنشطة المؤسسة، ومواقيت الدراسة، واستعمالات الزمن، وتوزيع مهام المدرسين؛
– الإسهام في التقويم الدوري للأداء التربوي، وللوضعية المادية للمؤسسة، وتجهيزاتها، والمناخ التربوي بها؛
– اقتراح الحلول الملائمة للصيانة، ولرفع مستوى المدرسة، وإشعاعها داخل محيطها؛
عملا بمدإ التنافي بين دوري الطرف والحكم، لايسمح للمدرس بتمثيل جمعية الآباء في مجلس تدبير المؤسسة التي يمارس فيها.
يمكن أن يضم مجلس تدبير المؤسسة ممثلين عن المتعلمين، كلما توافرت الشروط التي يضعها المجلس لذلك، وتبعا للمقاييس التي يعتمدها في اختيار هؤلاء الممثلين.

ترصد لكل مؤسسة ميزانية للتسيير العادي والصيانة، ويقوم المدير بصرفها تحت مراقبة مجلس التدبير. وتمنح تدريجيا للثانويات صفة ” مصلحة للدولة تسير بطريقة مستقلة”(نظام Segma).”
يتبين لنا، من خلال هذه المادة القانونية، بأن مجلس التدبير يتكون قانونيا من المدرسين، والتلاميذ، ورجال الإدارة، وجمعية الآباء وأولياء الأمور، علاوة على الشركاء الفاعلين الداخليين والخارجيين.ومن ثم، فلمجلس التدبير مهام إدارية وتسييرية واقتصادية وتنشيطية ، بله عن مهام المراقبة والإشراف والتوجيه والإرشاد ، وتقويم الوضعية التربوية بالمؤسسة التعليمية.
وما يهمنا من مهام مجلس التدبير ذلك الدور التثقيفي والتنشيطي. فلابد أن يتجاوز مجلس التدبير أدواره الروتينية العادية والطبيعية، و التي تتمثل في مراقبة ماهو مادي ومالي وإداري ، إلى ما يتعلق بشخصية المتعلم. أي: الاهتمام بأنشطة المتعلم التثقيفية والتعليمية على المستويات المعرفية والوجدانية والحسية الحركية ، وتهييء برنامج سنوي ملموس مخطط بشكل واضح وعملي ، وذلك من قبل المشرفين على مجلس التدبير، فتتنوع فيه الأنشطة تصنيفا وترتيبا ، ثم توزع عبر الدورتين الدراسيتين، ويستحسن أن يكون هناك نشاط في كل شهر على الأقل.
ويستوجب تنفيذ هذه الأنشطة التربوية وجود ميزانية مفصلة، وتحديد مضبوط للإمكانيات والوسائل المادية والمالية والبشرية المتاحة، مع تبيان للظروف المواتية للنشاط من مكان وزمان، دون أن ننسى الفاعلين والمستفيدين من النشاط.
ويستتبع فعل التنشيط عملية المراقبة والتقويم بشكل متدرج قبليا وتكوينيا ونهائيا، من أجل تحديد نسبة النجاح والفشل، والبحث عن الأسباب الذاتية والموضوعية التي كانت وراء ذلك، واللجوء إلى التغذية الارتجاعية أو الدعم التكويني لتصحيح مسار التنشيط ، مع إيجاد الحلول المناسبة، واقتراح التوصيات الناجعة التي ترقى بمستوى التنشيط المدرسي، وتساهم بشكل إيجابي في تحقيق الحياة المدرسية ، وإرساء مفعول الجودة المطلوبة.
هذا، وترسل كل مؤسسة أنشطة مجلس تدبيرها، بعد توقيعها بشكل موضح ومفصل، إلى الجهات الإدارية المسؤولة، ليصادق عليها المفتش، والنائب الإقليمي، ومدير الأكاديمية، والمفتش العام، والسيد وزير التربية الوطنية. ومن الأفضل أن يصاحب هذه المصادقة تقدير كمي وكيفي، وذلك تشجيعا للمؤسسة، أو توبيخا لها.

 أنشطة المدرس أو أنشطة الفصل:

لا يمكن للمؤسسة التعليمية أن تكون مؤسسة مثالية مبدعة ، إلا إذا آمنت بفلسفة التنشيط والابتكار ، والاشتغال في إطار فريق عمل، والإيمان بمبدإ التعاون والتشارك . ومن هنا، يشترط أن يكون للمدرس دور كبير في عملية التنشيط، عن طريق خلق مجموعة من الأنشطة السنوية التي تحسب له ضمن الترقية المهنية أو السلمية.
هذا، ويبدأ المدرس منذ بداية السنة الدراسية عمله التربوي والديداكتيكي بتقسيم الفصل الدراسي إلى جماعات ديناميكية ، يوزع عليها الأعمال والأشغال والأنشطة، وبطبيعة الحال ضمن الإمكانيات المتاحة، فينوع الأنشطة التربوية، ثم يعددها حسب الشهور الدراسية وفق أهداف إجرائية محددة بدقة مضبوطة، ويحاول ترجمة هذه الأنشطة داخل الدورتين الدراسيتين: الأولى والثانية. وبعد ذلك، يتتبع عملية التنشيط عن طريق التقويم والتتبع القبلي والتكويني والنهائي.
وحين الانتهاء من هذه الأنشطة السنوية، يوقع المدرس برنامج عمله التنشيطي، ويقدمه بشكل موثق ورقيا ورقميا، ليصادق عليه المدير، والمفتش، والنائب، ومدير الأكاديمية ، ليرسل – بعد ذلك- إلى الوزارة المركزية، قصد المصادقة عليه من قبل المفتش العام والسيد وزير التربية مصادقة تقديرية بالتقويم العددي والمعنوي.

 حلول أخرى لإصلاح المنظومة التربوية:

يمكن الحديث عن حلول أخرى لإنقاذ المنظومة التربوية، ويمكن الإشارة إلى ضرورة تحفيز المدرس ماديا وماليا ومعنويا، وتطبيق الترقية العلمية، وتشجيع البحوث التربوية الوصفية والتجريبية والميدانية للاستفادة من نتائجها، والأخذ بمنطق الكفاءة العلمية في إسناد المناصب الإدارية والتربوية. وأهم حل للخروج من الأزمة الحالية هو تطبيق البيداغوجيا الإبداعية. فماهي مرتكزات هذه البيداغوجيا؟
تتكئ النظرية الإبداعية التربوية على مجموعة من الأسس والمرتكزات، ومن أهمها: السعي الدائم وراء التحديث والتجديد، وتفادي التكرار، واستنساخ ماهو موجود سلفا ، وتجنب أوهام الحداثة الأدونيسية، واعتماد حداثة حقيقية وظيفية بناءة وهادفة، تنفع الإنسان في صيرورته التاريخية والاجتماعية. ولن تتحقق هذه الحداثة إلا بالتعلم الذاتي، وتطبيق البيداغوجيا اللاتوجيهية أو المؤسساتية ، ودمقرطة الدولة وكل مؤسساتها التابعة لها. ويعني هذا أن البيداغوجيا الإبداعية لن تنجح في الدول التي تحتكم إلى القوة والحديد، وتسن نظاما ديكتاتوريا مستبدا؛ لأن الثقافة الإبداعية هي ثقافة تغييرية راديكالية، تستخدم ضد أنظمة التسلط والقهر.

ولايمكن الحديث أيضا عن النظرية الإبداعية إلا إذا كان هناك تشجيع كبير لفلسفة التخطيط، ومشاريع البناء، وإعادة البناء، والأخذ بفلسفة الاختراع والاكتشاف، وتطوير القدرات الذاتية والمادية من أجل مواجهة كل التحديات .ومن الشروط التي تستوجبها النظرية الإبداعية الاحتكام الدائم إلى الجودة الحقيقية كما وكيفا، والتي لايمكن الحصول عليها إلا بتخليق المتعلم والمواطن والمجتمع بصفة عامة. ويعد الإتقان من الشروط الأساسية لماهو إبداعي؛ لأن الإسلام حث على إتقان العمل، وحرم الغش، والربح الحرام.
ولابد من ضبط النفس أثناء التجريب والاختبار، وتنفيذ المشاريع العلمية والتقنية، والتروي في إبداعاتنا على جميع الأصعدة والمستويات والقطاعات الإنتاجية، والاشتغال في فريق تربوي، والانفتاح على المحيط العالمي، قصد الاستفادة من تجارب الآخرين، والمساهمة بدورنا في خدمة الإنسان كيفما كان. ومن هنا، فلابد أن يكون التعليم الإبداعي منفتحا على محيطه، ويسعى إلى خدمة التنمية المحلية والجهوية والوطنية والقومية والإنسانية.
ومن جهة أخرى، ترفض النظرية الإبداعية التقليد والمحاكاة العمياء، والاتكال على الآخرين، واستيراد كل ماهو جاهز، واستبدال كل ذلك بالتخطيط المعقلن، وإنتاج الأفكار والنظريات، عن طريق التفكير في الماضي والحاضر والمستقبل، مع تمثل التوجهات البرجماتية العملية المفيدة ، ولكن بشرط تخليقها لمصلحة الإنسان بصفة عامة.
هذا، وينبغي أن ينصب الإبداع على ما هو أدبي وفني وفكري وعلمي وتقني ومهني وصناعي، في إطار نسق منسجم ومتناغم، لتحقيق التنمية الحقيقية، وتحصيل التقدم والازدهار النافع لوطننا وأمتنا.
ومن المعلوم أن تقدم الدول الغربية رهين بتشجيع الحريات الخاصة والعامة، وإرساء الديمقراطية الحقيقية، وتشجيع العمل، وتحفيز العاملين ماديا ومعنويا. ومن ثم، ترتكز النظرية الإبداعية على فكرة التشجيع، والتحفيز، وتقديم المكافآت المادية والرمزية، باعتبارها من أهم مقومات البيداغوجيا العملية الحقيقية، ومن أهم أسس التربية المستقبلية القائمة على الاستكشاف والاختراع.
وعليه، لايمكن أن تنجح المنظومة التعليمية المغربية، إلا إذا وفرنا للأستاذ فضاء بيداغوجيا ملائما وصالحا، يتمثل في مدرسة الحياة، مع خلق مجتمع الشراكة، وبلورة مؤسسة المشاريع، وإصلاح الإدارة ودمقرطتها، وإصلاح المجتمع كله، وتحسين الوضعية الاجتماعية للمدرس، بتحفيزه ماديا ومعنويا، والسهر على تكوينه بطريقة مستمرة، وتحسين وسائل التقويم والمراقبة على أسس بيداغوجيا الكفايات والوضعيات والمجزوءات، وتكوين أطر هيئة التفتيش ليقوموا بأدوارهم المنوطة بهم ، والتي تتمثل في تأطير المدرسين، وإرشادهم إلى ماهو أحدث وأكفى وأجود. ولايمكن أن ينجح المدرس في عمليته التعليمية – التعلمية إلا إذا سن سياسة الانفتاح والتعاون والحوار، والعمل في إطار فريق تربوي، واهتم بالبحث العلمي والإنتاج الثقافي؛ لإغناء عدته المعرفية والمنهجية والتواصلية لصالح المتعلم والمدرسة المغربية.

 تركيب استنتاجي:

نستنتج، مما سبق ذكره، بأن المدرسة المغربية الحالية تعيش وضعية سلبية مشينة، وحالة متردية على جميع الأصعدة والمستويات؛ بسبب اختناق الأجواء التربوية والإدارية، وتزايد التوتر النفسي والاجتماعي، وغياب الحياة المدرسية، وانعدام فلسفة التنشيط. ناهيك عن رداءة الإدارة، وتخلف المنظومة التربوية، وتراجع المردودية، وارتفاع وتيرة الهدر المدرسي…ومن ثم، لا يمكن إصلاح المؤسسة التعليمية المغربية إلا بتمثل فلسفة التنشيط، وتطبيق البيداغوجيا الإبداعية، والانطلاق من ديمقراطية التعليم…بيد أن السؤال الجوهري الذي نود طرحه هو: هل ستأخذ الوزارة المعنية فعلا بهذه الحلول الوجيهة؟ أم أن هذه الحلول المقترحة ستبقى حبرا على ورق كما هو المعتاد؟؟!!

http://www.doroob.com


أضف تعليق

التصنيفات