Posted by: tarbeyawatakwin | سبتمبر 20, 2015

صفوة بيداغوجيا الأهداف


كيف حصل أن تبنى المغرب بيداغوجيا الأهداف؟ وكيف تم الانتقال من بيداغوجيا الأهداف إلى الكفايات بدون نقد وتقييم؟ لعل11709813_845823258829608_8351753334970317374_n هذه الأسئلة وغيرها تختصر المسافات الفاصلة بيننا اليوم وبين شتنبر 1985، أي سنة صدور الإصلاح الذي قاد إلى التبني المبهم والملتبسلبيداغوجيا الأهداف. ولكي نتبين تلك الخلفيات والضرورات التي تساءلنا عليها آنفا سنتعرض لوثيقة إصلاح 1985-1986، فهي وحدها الكفيلة بأن تحيلنا على الغموض والالتباس البيداغوجي الذي ساد المدرسة المغربية وهيمن على نظام التربية والتكوين في المغرب.

سنعالج هذا الأمر من منطقين اثنين هما: أولا، الجانب البيداغوجي للوثيقة، والمنطلق الثاني يعنى بالخلفيات المتحكمة في الإصلاح المذكور برمته. وإننا على اقتناع راسخ بأن إهمال البحث في هذه المرحلة الممتدة من 1985 إلى 2000 يعني الانخراط غير الواعي ولا المتيقظ في سيرورة إصلاحآخر لم تتضح معامله بعد حتى وان اصطلح على نفسه بمرحلة الميثاق الوطني، وسعى ليكون إصلاح الإصلاح، أي أنه عين نفسه بنعوت وصفات لا حصر لها تفيد التأهيل والديمقراطية والتكوين والتعليم والانفتاح والإبداع والابتكار والخلق والتفوق ولم يتوقف بالنقد الواضح عند إصلاح 1985 رغم ما جاء في الدراسات التشخيصية التي بني عليها الميثاق وصدرت في مجلدات بعد صدوره إلخ…

صدرت وثيقة العمل لإصلاح النظام التعليمي عن وزارة التربية الوطنية وتضم فهرستها إحدى عشر عنوانا و أوراشا للعمل في محاور كبرى هي:

أ – البرامج والمناهج والتقويم

بالتكوين والدعم والتقوية

جالتعليم الأصيل

دالبناءات والإدارة والخريطة المدرسية

تعلن الوثيقة عن خلفيات إصلاحهاوأهدافهفي خمس صفحات منقسمة إلى أهداف عامة وأخرى نوعية وأهداف كمية وتدابير وإجراءات تهم المرحلة الانتقالية. فأما الأهداف العامة فتدور حول إعطاء الأهمية للتكوين المهني باعتباره أداة للتنمية الاقتصادية ووسيلة للاندماج في الحياة العملية، وحول هيكلة الأسلاك الدراسية الثلاثة، في حين نجد في الأهداف التربوية ما كان ينبغي أن يكون أهدافا عامة، أي آفاق الإصلاح وغاياته العامة.

إن قراءة سريعة لما جاء في الأهداف النوعية تجعلنا نتساءل عن مصير الإصلاح برمته، بل وعن مصير المدرسة المغربية ونظامنا التربوي كله، فأهداف مثل الرفع من مردودية التعليم والحد من ظاهرتي التسرب في كل قسم، وتزويد المدرسة بما تحتاجه من وسائل وتكوين وإعادة تكوين المدرسين ليست إجراءات تقنية وإنما تعتبر نواة الإصلاح وغايته. وأما وعود هذا الإصلاح التي ظلت عبارة عن أمنيات فقد شملها الجانب الكمي ومنها على سبيل المثال تعميم التعليم المحدد في الموسم الدراسي 1994/1995 بنسبة استيعابية تبلغ 90% من الأطفال البالغين سن التمدرس مع وضع تصور يتلاءم وتوسيع وعاء الاستقبال حدد بنسب تختلف حسب التوجهات العلمية والأدبية، في الإعدادي أو الثانوي

وأما السلطة الوصية على الإصلاح فهي الوزارة وحدها دون غيرها، وتتمثل حسب الوثيقة في المسؤولين بالمصالح الوصية والمفتشين العامين والمنسقين والنواب الإقليميين ورؤساء مصالح التخطيط.

هكذا يبدو لنا أن الإصلاح ممر كز ومركزي أو بتعبير أدق إنه إصلاح إداري بيروقراطي يفتقد إلى للإشراك والمشاركة والانفتاح على الذات: المدرس، والغير: وزارات أخرى، برلمان، أحزاب، نقابات إلخ…انه ببساطة إصلاح من داخل المكاتب، إصلاح الأرائك.

التصور البيداغوجي للإصلاح

الواضح أن وثيقة إصلاح 1985 تفتقد إلى كثير من مقومات الإصلاح البيداغوجي والتربوي ويتجلى هذا النقص الكبير في تصور الوثيقة للمناهج التربوية. ولكي نوضح هذا الجانب بكثير من الدقة سنتعرض لما جاء في الوثيقة أولا، ثم سنعمل فيما بعد على تحليل معطياتها.

تقسم الوثيقة الأسلاك التعليمية إلى سلكين إثنين: سلك أساسي وسلك ثانوي. يضم السلك الأساسي السلك الابتدائي والإعدادي مع تغيير في عدد سنوات الابتدائي بإضافة سنة واحدة (5+1) وعدد سنوات الإعدادي (3 سنوات) أي ناقص سنة واحدة عما كان في السابق.

ومن جانب الأهداف التي ترى الوثيقة أنها لحمة البيداغوجيا الضمنية، نجد أهدافا خاصة بكل سلك دراسي وأهداف عامة. فالأهداف العامة من التعليم الأساسي تركز على تثبيت العقيدة الإسلامية وغرس القيم الروحية وتعريف المتعلم بتراث أجداده وأمجاد بلاده وتحفيزه على العمل اليدوي وجعله قادرا على استيعاب الظواهر العلمية والتكنولوجية.

وأما الأهداف الخاصة بكل مرحلة من مراحل التعليم الأساسي فهي تلقين المبادئ الأولية في الرياضيات والتربية الدينية والوطنية والتعبير الشفوي والكتابي والأنشطة اليدوية بالنسبة للسنتين الأوليتين من التعليم الأساسي والتركيز على تعزيز ما حصله التلميذ مع إضافة مواد أخرى كاللغة الفرنسية والاجتماعيات في السنوات الثالثة والرابعة والخامسة والسادسة فيما ينحصر دور الإعدادي في التقوية واستكمال التكوين وتوطيد المدارك (1). ولبلوغ هذه الأهداف تم إقرار مبدأ الوحدات الدراسية بدون تصور واضح لمفهوم الوحدة لأن المعنى المقصود بها في الوثيقة يجعل المواد الدراسية وحدات: وحدة الإسلاميات، وحدة اللغة العربية الخ… كما اشترطت الوثيقة بلوغ الأهداف المسطرة بالتقيد بالتوجهات الواردة فيها، وهي توجهات عامة لا تسندها سلطة معرفية أو سياسية أو تربوية لأن الوثيقة جاءت بلغة التعليمات العامة التي تدور في مجملها حول:

1-إضفاء الطابع الإسلامي على كافة المواد والأنشطة.

2- مراعاة سن التلميذ ووسطه والخصوصيات المحلية والجهورية وتنمية قدراته اليدوية ( 2).

تلك هي الرؤية التربوية والبيداغوجيةالمؤطرة للوثيقة. وما يمكن إبداؤه من ملاحظات في هذا الجانب نجملها فيما سيأتي من كلام.

نلاحظ أن الوثيقة تفتقد إلى تصور بيداغوجي وإلى فلسفة في التربية والقيم مما يعطي الانطباع بأن الإصلاح برمته بدون أسس ولا آفاق، وبدون مرجعية ودون غايات واضحة، وهو ما يجعل كل مهتم يتساءل عن مصير التراكمات الحاصلة منذ 1956، وعن دور المدرسة في هذا الإصلاح. ثم إن أهم ما يطرحه الباحث في إصلاح 1985 هو من أين تسربت بيداغوجيا الأهداف إلى النظام التربوي مادام الإقرار الرسمي بها غير وارد في الوثيقة على الإطلاق؟ وبتعبير أدق من كان وراء بيداغوجيا الأهداف؟.

الواقع أن الوثيقة لا تجيبنا على السؤال مما يجعلنا أمام افتراضات عدة تصب كلها في ما أسمته الوثيقة الدور الفعال للإشراف التربوي” (3) لأن المفتش مارس التعليم مدة طويلة (4). هكذا سيتكرس دور المفتش من خلال المشاركة في وضع البرامج والمناهج والتكوين الأساسي والمستمر وتتبع وتقويم نتائج العملية التربوية مدعوما في ذلك بإعطائه الوسائل والإمكانيات المادية والبشرية“.

هناك داع ثان يبين لنا مركزية المفتش ودوره الجديد في الوثيقة يتمثل في التقويم الذي أصبح المفتش قلبه النابض مركزيا وجهويا (5)، ودوره كذلك في المراقبة البيداغوجية الرسمية من أجل انتقاء وترسيم وترقية رجال التعليم ومساهمته في تنميتهم المهنية” (6). كما توجد وظائف أخرى للمفتش في ذلك الإصلاح تتعلق ببيداغوجيا الدعم والتقويم والتنسيق الخ… إلا أن هذه المعطيات جميعها لا تبين لنا إلا بروز مكون واحد في النظام التربوي ككل هو المراقبات التربوية ولا تحدد لنا الجهة التي كانت وراء بيداغوجيا الأهداف. لكن عن أي برامج تتحدث الوثيقة؟.

إذا ما عجزت الوثيقة عن الإفصاح عن البيداغوجيا المرادة، وهنا نقصد ببيداغوجيا الأهداف، فإن دفتر التحملات الخاص بتأليف الكتب المدرسية قد يسعفنا في تلمس طريقنا لمعرفة هذه الجهة، وبالتالي معرفة الفاعلين المباشرين في هذا المجال على اعتبار أنهم مكونون تكوينا بيداغوجيا متلائما مع البيداغوجيا الجديدة خول لهم حق التأليفوفرض بيداغوجيتهم : بيداغوجيا الأهداف“.

جاء في الفصل الخامس من دفتر التحملات ما يلي: “يتم تصميم بروفات المجموعة موضوع هذه المنافسة أثناء الطبع وإعادة الطبع من لدن الأشخاص الذين تعينهم وزارة التربية الوطنية باعتبارهم مؤلفي المجموعة المذكورة” (7)، ثم يلتزم الناشر بأن يؤدي مباشرة للأشخاص الذين ستعينهم له وزارة التربية الوطنية بوصفهم مؤلفي الكتاب موضوع طلب العروض الحالي نسبة 8% من مداخيل البيع (8). نستخلص مما سبق أن الوزارة المعنية كانت على معرفة بالبيداغوجيا المرادة وإن غابت في وثيقة إصلاح 1985 وللتدليل على ذلك أنها قادرة على معرفة المؤلف الكفء صاحب تلك المعرفة البيداغوجية من غيره، وأنها تفوض التوجه البيداغوجي لجهة معينة بعيدة كل البعد عن التداول العام. ومما يؤكد هذه الخلفية هو أن الوثيقة تفتقد إلى تصور بيداغوجي، بل إلى تصور كمي وكيفي للمضامين الدراسية، وإلى تنافسية التأليف. هناك مؤلفون بصيغة النكرة سيعينون وسيستفيدون من نسب مئوية مقابل تأليفهم. وبهذا يصبح التأليف في حد ذاته امتيازا محصورا لا مجال فيه للمنافسة والتشارك، بل على المؤلف أن يظل مجهولا بصيغة النكرة رغم أن كتابه كتاب للجميع!.

فهل هذه الصفوة المجهولة هي التي كانت وراء بيداغوجيا الأهداف؟ بل هل كان اللجوء إلى هذه البيداغوجيا غير الرسمية حلا للمدرسة المغربية التي عرفت صراعات وإخفاقات وتراجعا في إنتاج نخب وطنية؟

الحسن اللحية: المدرسة والعولمة


أضف تعليق

التصنيفات